الخميس، 7 سبتمبر 2017

قلعة حلب




قلعة حلب




لمحة تاريخية
بُنيت فوق تلة (أكروبول) نصفها اصطناعي لرفعها عن مستوى المدينة. وتحتضن كثيراً من آثار العهود التي مرّت بها منذ أن كانت حلب مملكة عمورية واسمها يمحاض قبل الغزو الحثي في القرن 16ق.م.
أعاد بناء القلعة السلوقيون ثم الرومان. وزارها الإمبراطور الروماني جوليان، وحكمه كان بين 361م و363م، وقدّم أضحية للرب فيها. وكان البيزنطيون يرممون القلعة كلما تهدّم جزء منها أثناء الحروب. واعتاد السكان أن يلجؤوا إليها عند الخطر، كما فعلوا عام 540م حينما غزا كسرى الأول حلب ونجوا من القتل.

فتحها المسلمون عليها عام 636م بقيادة خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح بعد أن سيطروا على أحد أبوابها، وأسروا قائدها البيزنطي. وهناك قصة تروي أحداث احتلال القلعة: حينما التجأ حاكم حلب البيزنطي يوكينا، مع بعض السكان إلى القلعة، تطوّع عبد ضخم من الجزيرة العربية اسمه دامس أن يساعد على احتلالها فاتفق مع بعض من رفاقه على البقاء قرب القلعة بعد أن تظاهر الجيش العربي بالتراجع. وفي الليل وكان حالكاً، تسلّق دامس مع رفاقه منحدر القلعة، وهم مربوطون إلى بعضهم البعض، ومتخفون تحت جلود الماعز. وكان دامس يهز الحبل ليحذر رفاقه حينما يقترب منهم الحراس. ويقضم الخبز الجاف بصوت عال ليعتقد الحراس أن الماعز ترعى على منحدر تلة القلعة، وهكذا تسلقت المجموعة التل وأشعلوا ناراً لإعطاء جيش خالد بن الوليد الإشارة بوصولهم بعد أن فتحوا لهم الأبواب، فدخلوها ظافرين. وحينما وجد الحاكم البيزنطي يوكينا مع من لجأ معه أنفسهم معتقلين، اعتنقوا الدين الإسلامي وانضموا للفاتحين.

وفي القرن 10م أصبحت مقر سكن وحكم سيف الدولة الحمداني المزدهر. وبقيت القلعة تقاوم البيزنطيين ومن بعدهم الصليبيين، وظلت حصن المسلمين القوي في شمال سورية. وكذلك فعل بنو مرداس (1025-1079). وفي العهد السلجوقي زاد اهتمام نور الدين بالقلعة، وبنى فيها كثير من المباني، ورممها وبنى فيها قصراً ومسجداً وأصبحت مقراً لحكمه وإقامته. وجدّد حصونها وغطى سفح التل بالحجارة فبلغت أوج ازدهارها.


وفي عهد الأيوبيين وبعد اندحار الصليبيين أصبح الظاهر غازي بن صلاح الدين ملكاً على حلب. وحكمه كان حوالي 1193-1215م فاعتنى بالقلعة وابتنى قصراً واتخذها مركزاً لحكمه وسكنه. ثم غزاها المغول وعلى رأسهم هولاكو عام 1260م، واحتلها بعد حصار شهرين فخرّب أسوارها، ودمّر أبنيتها. ولكنها رُممت في عهد الأشرف خليل بن قلاوون عام 1292م. ثم دُمّرت ثانية على يد تيمورلنك عام 1400م. وجُددت أجزاء منها وشيّد السلطان الملك الناصر بن برقوق سورها وبنى قصراً فيها عام 1415م. كما رُممت أيام السلطان قانصوه الغوري آخر المماليك، ثم أهملت في زمن العثمانيين وأُصيبت بالدمار من زلزال 1828م. ورُممت بشكل بسيط عام 1882م حتى العهد السوري المستقل لترمم وتصبح مزاراً للسواح.



وصف القلعة:



ترتفع القلعة عن مستوى المدينة حوالي 33م فوق تل إهليلجي الشكل. يحيط بها سور حجري فيه 44 برجاً دفاعياً من أحجام مختلفة، طوله حوالي 900م وارتفاعه حوالي 12م، ودُعّم بأعمدة حجرية ثبتت بشكل عرضي بمسامير حديدية. حجارة السور الكبيرة تعود إلى ما قبل الفتح الإسلامي، والوسطى من العهد الأيوبي، أما الصغيرة فمن العهد المملوكي.
رُصف ثلثي المنحدر بالأحجار ليصعب تسلقها ولحمايتها من التآكل بسبب مياه الخندق المحيطة بها، والخندق عرضه 32م وعمقه 22م فيكون مجموع ارتفاع القلعة عن أرض الخندق حوالي 55م، وكانت المياه تأتيه من نبع حيلان.

باب القلعة:
باب القلعة يقود إلى برج متقدم، مستطيل الشكل، ارتفاعه حوالي 20م، بُني في عام 1211م ورُمم فيما بعد. والباب حديدي، عليه كتابة تؤرخ صنعه في عهد الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي بالقرن 12م. وعلى مدخل البناء كتابة تؤرخ عهد السلطان قانصوه الغوري 1507م أيام الوالي أبرك الأشرفي السيفي. وتحت الكتابة يوجد نقش الحلية المعمارية المعروفة بالصنج المزرّرة وفوقها سقّاطة. في الجدار المقابل من البرج يوجد باب حديدي آخر يقود إلى الجسر الحجري، سابقاً كان جسراً خشبياً متحركاً استبدله الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي بهذا الجسر الذي أُقيم فوق قواعد لها ثمانية قناطر.

في نهاية الدرج فسحة، في صدرها جدار، هي مصيدة للعدو لأن فيها مرامي للسهام، وفتحات بارزة لسكب السوائل المغلية عليه. والمدخل الرئيسي يقع في الجهة اليمنى بشكل غير مرئي من بعيد. وهو مخل القلعة الداخلي، وله باب مصفح بالحديد، تُزينه حدوات أحصنة وشرائط أفقية مثبتة بالمسامير. ويدعى هذا الباب بباب الحيّات لوجود نقش ثعبانين متعانقين لهما أربعة رؤوس في أعلاه. الحيات والأسود ترمز للقوة وترعب العدو وتؤثر على معنوياته. يُفتح الباب على بهو برج فيه ثلاث ردهات والباب السري الذي يقود إلى قاعة العرش. لكل واحدة من الردهات عدد من مرامي السهام. على الجدار الأيمن للمدخل توجد كتابة تعلن انتصار الجيوش العربية على الأرمن والتتار والصليبيين.
ثم يأتي الباب الثاني من القرن 13، نُقش فوقه أسدان بينهما شجرة نخيل، والباب حديدي عليه مسامير كبيرة، ثم بهو فيه مقام الخضر. ثم يأتي الباب الثالث الذي يقود إلى الممرات السرية. ثم الباب الرابع، ويعلوه من الجانبين نقش أسدين أحدهما ضاحك والآخر باكي. وهو من العام 606هـ/1210م فوقه كتابة أيوبية من عهد الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين. وعلى جانبي الممر توجد مهاجع للجنود.

يبدأ الشارع الرئيسي الذي يخترق القلعة من الشمال إلى الجنوب، وهو مجدد وضيق. على اليسار يوجد قصر وحمّام من القرن 12م بناه نور الدين زنكي. وإلى اليمين حوانيت ومستودع كبير تحت الأرض قسمه الأسفل حفر في الصخر أطواله 17.5×16.5م وارتفاعه 20م وبقية الحائط من الآجر، وله أربع فتحات للنور والتهوية. ويستند السقف على دعائم حجرية ذات قناطر قرميدية من العهد البيزنطي تقسّمه إلى ثلاثة أقسام. وكان خزاناً للماء، أو كان مخزناً للحبوب والمؤن وعلف الحيوانات. أما قسمه الداخلي وهو حفرة فكان سجناً في عهد البيزنطيين في القرن 6م. ثم استعمله الفرنسيون فيما بعد لنفس الغرض. ويُنزل إليه بدرج حديدي حديث.
مسجد إبراهيم الخليل:
ويقع على يسار الشارع وهو مسجد صغير كان سابقاً كنيسة بيزنطية ثم أصبح مقاماً لإبراهيم الخليل. وتقول الأسطورة أن فيه صخرة كان النبي إبراهيم يجلس عليها ليحلب بقرته الشهباء. جدّده نور الدين زنكي وكان يُصلي به. وتوجد لوحة مرمرية فوق باب الجامع تؤرخ البناء من عهد نور الدين زنكي في عام 575هـ/1167م. في باحته غرف وبئر. وعلى جانبي المدخل كتابة وفي داخل المصلى عمودان، الأيمن بيزنطي والأيسر عربي. كان فيه محراب كسوته خشبية بديعة يشبه محراب المدرسة الحلوية أخذه الفرنسيون عام 1922م. تعلو المصلى قبة ونوافذ للإنارة وفيه أربعة كتبيات، ويوجد فيه إفريز، تزخرفه كتابة عربية.
بُني في الجامع صهريج لتخزين الماء لمدة عام كما أوقف له وقف خارج حلب. ويوجد باب كتب عليه قناة حيلان التي كانت تموّن القلعة بالماء. وقرية حيلان تقع شمال حلب. تعود هذه القناة إلى عهد الرومان أو البيزنطين. جدّدها عبد الملك بن مروان. وفي عهد نور الدين زنكي أخذ منها فرعاً للجامع الكبير وإلى الخشابين والرحبة الكبيرة داخل باب قنسرين. وفي عام 506هـ أمر الملك الظاهر غازي بتنظيف مجراها، وساهم هو نفسه مع الأمراء بذلك. وحينما احتل المغول قلعة حلب خرّبوها وأحرقوا هذا المسجد.
يوجد مقابل المسجد معبدٌ سوري-حثي هو معبد الشمس ويعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد. وُجد فيه نصب بازلتي عليه نحت نافر لشخصين مجنحين، يعلوهما قرص الشمس داخل هلال القمر، من القرن 9ق.م معاصر لمعبد عين دارا، وله نسخة جصية في متحف القلعة.


الجامع الكبير:

أيوبي من القرن 13. كان كنيسة ثم صار جامعاً أيام المرداسيين. جدده الملك نور الدين زنكي. ولكنه احترق ثم أعاد بناءه الملك الظاهر الغازي بن صلاح الدين بعد أن احترق ثانية عام 609هـ/1210م. وعلى بابه كتابة تؤرخ البناء والباني الغازي بن صلاح الدين عام 610هـ/1211م. وهو مربّع الشكل له باحة تُفتح عليها غرف للطلبة. وللمصلى ثلاثة مداخل وقبة ومحرابين ونوافذ للإضاءة. مئذنته من العام 1214م مربعة الشكل ارتفاعها 20م تشبه مئذنة جامع الدبّاغة في حلب. لها سلم داخلي فيه 78 درجة. ولأنها عالية كانت تستعمل للمراقبة والآذان معاً. قسم من حائط المسجد مع المئذنة سليم، أما الباقي فهو ترميم حسب الأصل.

ثكنة إبراهيم باشا:
دام حكمه بين 1830 و1833 وهو ابن محمد علي الكبير والي مصر. شُيدت الثكنة عام 1834م من الحجارة التي كانت تغطي منحدر القلعة.
قرب الثكنة يوجد بئر الملك الظاهر غازي، وطاحونة هواء، ومن الشرفة المجاورة للثكنة يمكن رؤية البرج الشمالي المملوكي. ومنظر عام لمدينة حلب.
مستودعات القلعة:
حُفرت بالصخر، يُنزل إليها بواسطة درج. ارتفاع المستودعات فيها 20م وطولها 7.5م وعرضها 16.5م. سقفها يعتمد على دعائم أربعة ضخمة. قسّمت المكان إلى ثلاثة أقسام. أوسطها مربع الشكل.
المسرح:
هو بناء حديث، بُني حسب الطراز الروماني عام 1980 يتسع لـ 3000 متفرج. تقام فيه مهرجانات واحتفالات دائماً.
القصر الملكي:

أيوبي من القرن 13 أي 1228م بناه يوسف الثاني بن السلطان الظاهر غازي بن صلاح الدين، وشيّده بالحجارة السوداء والصفراء على شكل مداميك. له باب كبير تعلوه مقرنصات وعناصر زخرفية. أرضه مبلطة بالرخام والمرمر والحجارة الصقيلة باللونين الأسود والأصفر. تتوسط باحته السماوية بركة. وفي جداره الشمالي يوجد سبيل ماء. كان في القصر أربعون غرفة مكسوة بالمرمر والموزاييك. وتُزينه المقرنصات على شكل خلايا النحل مرصعة بالمرمر الأبيض.
وفي الطريق نحو قاعة العرش توجد أبنية عديدة. إلى اليسار بناء يعرف باسم بيت الطواشي وهو مدير القصر ورئيس الخدم، من القرن 13م. ثم تأتي فسحة فيها كتابة، ودرج يؤدي إلى ممرات الحراسة فوق مدخل قاعة العرش.
قاعة العرش:
مملوكية؛ بُنيت بعد الدمار الذي حل بالقلعة على يد المغول عام 1400م. جددها قايتباي في القرن 16م. ورُممت عدة مرات فيما بعد، آخرها كان عام 1973م.
بُنيت فوق برج مدخل القلعة الرئيسي، ويُنزل إليها بواسطة 7 درجات. أرضية القاعة رخامية ذات أشكال مختلفة أُخذت من بيوت حلبية قديمة أطوالها 26.5×23.5م.
في منتصف القاعة بحرة ماء أيوبية. كانت جدران القاعة مغطاة بالفريسكو، وفي أعلى كل جدار نافذتان، حالياً الجدران والأعمدة مغطاة بالخشب المحفور والملون إلى ارتفاع معين. فيها نافذة كبيرة تُطل على المدينة وعلى مدخل القلعة. أما النوافذ الأخرى وعددها عشرة، ثلاثة على كل جانب من النافذة الكبيرة، واثنتان في كل حائط جانبي.
سقفها خشبي محفور ومدهون ومزين بزخارف نباتية، يرتكز على أربعة دعائم. وهو مقسّم إلى أقسام ثلاثة أُخذت أجزاؤه من دور دمشقية، وتعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر. يفصل بين السقوف جسور أطوالها تتراوح بين سبعة وعشرة أمتار قطرها 75سم. تتدلى منها زوايا رائعة الزخرفة، والسقف زخرفته من الخط العربي. وفيها أربع وعشرون نافذة جصية تُزينها زخارف نباتية وزجاج ملون. يتدلى من السقف 10 ثريات خشبية يزينها الخط العربي والحشوات الفاطمية. إحداها عبارة عن حجرات كبيرة تتدلى من منتصف القبة.
في قاعة العرش درج سري يقود إلى قاعة الدفاع الكبرى، وينتهي عند الباب الثالث. وفيها فتحات لسكب السوائل المغلية على العدو. وكوات لرمي السهام. وهذه القاعة تتحكم بمدخل القلعة الرئيسي. كما تُشرف على باب الحيات وباب الأسود.
الحمّام:
بُني الحمّام مع بناء القصر أي في القرن 13م. في باحته الخارجية سبيل ماء. ويتألف من 9 حجرات. في البراني مصاطب للراحة، تحتها تجاويف صغيرة لوضع الأحذية، وكان فيه بحرة ماء. والجواني فيه مقاصير وأجران ماء.
وقباب السقف مغطاة بقمريات زجاجية للإنارة. وأبواب الحمّام منخفضة لحفظ الحرارة. وقد جُهز الحمّام بأنابيب فخارية للمياه الباردة والحارة.
الأبراج:
1- برج السور الشمالي:
يتصل بثكنة إبراهيم باشا بواسطة درج. وهو بارز عن السور ويعود إلى عام 1472م.
2- برج السفح الشمالي:
يقع على سفح المنحدر خارج سور القلعة. فيه ممر يقود إلى البرج البارز الشمالي. بُني عام 1408م.
3- برج السفح الجنوبي:
بُني عام 1406م، ورُمم عام 1508. يقع خارج السور على سفح المنحدر مقابل برج السفح الشمالي. يقع بابه في الجهة الشمالية. للبرج عدة طبقات، فيها فتحات مستطيلة وعريضة، في الطبقة السفلى ممر تحت الأرض، يتصل بدرجٍ ينحدر من القلعة إلى المدينة. وكان هناك جسر متحرك يوصله بالقلعة.
يوجد في القلعة خمسة صهاريج لجمع مياه المطر تأتيها عبر قنوات أرضية. كما يوجد فيها عدد من الآبار، منها: واحد في قاعة الدفاع الأولى عند الباب الثالث، وآخر مياهه مالحة. وبئر الملك الظاهر غازي قرب ثكنة إبراهيم باشا.
يوجد في القلعة باب الجبيل ويقع شرق باب القلعة. بُني عام 1214، كان له درج ينحدر إلى دار الحكومة حالياً دار العدل سابقاً مجتازاً الخندق. وكان الملك الظاهر غازي يستعمله وهو في طريقه إلى دار العدل.
وهناك باب السر الذي يؤدي إلى باب الأربعين قرب حمّام السلطان.
وفي القلعة سراديب تتصل بأحياء المدينة، من خلالها كان السكان يلجؤون إلى القلعة عند الخطر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق